إمبراطور الذهب والملح

إمبراطور الذهب والملح

أغنى أغنياء البشرية، ليس بيل غيتس ولا روتشيلد. ولم يمتلك يوماً بنوكاً أو آباراً للنفط. بل هو ملك إفريقي مسلم، عاش في القرون الوسطى، يدعى مانسا موسى الأول. حكم مملكة مالي الإسلامية، والتي قامت على أنقاض دولة غانا الوثنية، التي أسقطها المرابطون عام 1087. وتعد مالي الآن من أفقر الدول الإفريقية.

يُعتبر مانسا موسى أغنى رجل في التاريخ، وذلك بناءً على دراسة أعدها ونشرها موقع «Celebrity Net Worth website»، حيث تقدر ثروته بما يعادل حاليا أربعمائة مليار دولار، وذلك بعد أخذ معيار التضخم الزمني بعين الإعتبار. 
مصدر تلك الثروات هو الذهب والملح ، فقد كانت مالي تنتج نصف ذهب وملح العالم، كما كان سعر الملح في ذلك الوقت، يعادل سعر الذهب لأهميته وندرته. ولذلك لُقِّب بسيد الذهب والملح.

حكم مانسا موسى بلاده لمدة خمسة وعشرون عاماً، إمتدت فيها دولته من مراكش شمالاً، إلى المحيط الأطلسي غرباً، ودولة الهوسا شرقاً. وازدهرت التجارة في عهده، فأصبحت مدينة تمبكتو ملتقى للقوافل التجارية، من شمال إفريقيا ومصر. وتعني مانسا ملك الملوك. وقد كان مانسا موسى تقياً كريماً، كما أنه بالنسبة لقبائل الماندنيك التي كانت تعيش في مالي، فإنه لا يعد ملكاً وحاكماً فحسب، وإنما اعتبروه وليا من أولياء الله الصالحين. وأجمعت الكثير من المصادر التاريخية على أنه كان متديناً، كثير الصلاة، وقارئاً للقرآن.

ومن أشهر أعماله، رحلة الحج التي قام بها، حين حمل معه حِمل مائة جمل ذهباً. وكان يقيم الولائم أينما حل، ويوزع الصدقات على شكل ذهب على كل من مر في طريقه. وقد قُدر ما وزعه من ذهب في رحلته بعشرين ألف قطعة ذهبية. وقد تسبب ما أنفقه من ذهب في مصر وحدها بانخفاض سعر الذهب لأكثر من عشرين عاماً. حيث أنه سافر إلى مكة عبر القاهرة والتي استقبله فيها المماليك استقبالاً عظيماً، وأظهروا له حفاوة بالغة.

ونظراً لما أنفقه في هذه الرحلة، أضطر إلى الإستدانة من أجل العودة. وعاد معه العديد من التجار ليستردوا أموالهم، مما جعل صيت مانسا موسى واسم بلده يبلغ الآفاق حتى وصل أوروبا، ولفت أنظار المستعمرين الأوائل إليها، ودفعهم إلى محاولة احتلالها فيما بعد نظراً لغناها وأهميتها. كما ذكره كلٌ من ابن خلدون وابن بطوطة في كتاباتهم. وقد أحضر معه أيضاً العديد من العلماء والمهندسين المعماريين، الذين ساهموا في بناء المساجد والقصور الفارهة، مثل مسجدي تامبكتو وجاو الذين ما زالا قائمين حتى الآن. كما شيدوا بناءً على طلبه الكثير من المدارس والمكتبات.

ويُسَجَّل لهذا الملك المسلم أنه بنى أول جامعة في مالي، في وقت لم تكن فيه بأوروبا أي جامعة بعد، سميت الجامعة "سانكور مدراش" وقد استقطب من أجلها أفضل العلماء في عصره. و اتصف حكم مانسا موسى الأول بالأمن والسلام، والرقي العلمي والإقتصادي. إلا أنَّ ورثته لم يحافظوا على هذا الإرث، فقامت فيما بين أبناءه حرب أهلية خسروا خلالها المملكة وثرواتها، وأصبحت البلاد مطمعاً للغزاة.

وما زال العلماء و القوى الإستعمارية حتى الآن يسعون لإيجاد الكنوز المدفونة في مالي، منذ عصر مانسا موسى والتي تتمثل في المخطوطات والكتب القيمة، التي جمعها في حياته، واحتفظ بها بعض الأهالي في أغلفة من الجلد، أو في الكهوف، أو في صناديق تحت الأرض. توفي رحمه الله عام 1337، بعد أن أصيب بعد رحلته إلى الحج بمرض يصيب الإبل.

https://dailydoseofhistory.com/2021/03/09/the-richest-man-to-ever-live/

تعليقات