في عاميتنا هناك معجم للألفاظ مرتبط بالمطر فأول المطر يسمى “الدث” وهي عربية فصيحة فنجد في “لسان العرب” أن “الدَّثُّ والدِّثاثُ: أَضعفُ المَطر وأَخَفُّه، وإذا استمر لمدة نسميه “السهيلية” وأصلها عربي فصيح حيث أنها تصغير لكلمة “سِهلة” وهي الرمل الخفيف الذي يحمله جريان الماء. كما نجد مادة الفعل “سهل” مرتبطة بحركة السوائل في المعاجم العربية كقولنا أسهل الدم أي أساله، أو أسهلت بطنه أي أصيب بإسهال، إلخ...
و نستعمل لفظ الغيث لارتباطه بالرخاء والعشب والرحمة كما ورد في سورة يوسف في قوله تعالى “وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد” ، و نستعمل كلمة المطر التي تأتي في القرآن غالبا للعذاب كقوله تعالى في معرض حديثه عن قوم لوط “وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذَرين” ) ، لكن يجوز أن يقال مطرنا بفضل الله ورحمته كما ورد في الحديث ، كما نطلق لفظ النوْ على المطر و أصلها ( النوء ) ويقول الصغار : صُبي صُبي يا النوْ ولا نذبحلك جديك ، والنوء هو الكوكب أو النجم المتحرك وكانت العرب قبل الإسلام تستمطر بالأنواء ، فيقولون : مطرنا بنوء كذا ، وسقينا بنوء كذا ، ونهى - عليه الصلاة والسلام عن ذلك.
و روى إبن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في قوله عز و جل : ( وتجعلون رزقكم أنّكم تُكذبون ) قال : ذلك في الأنواء ، و لفظ النو عربي فصيح ضارب في القدم.
وإذا تلاحقت قطع السحاب دون مطر تجد الشيوخ يقولون “ مزن” … وبشأن تلاحق قطع السحاب مع اسوداد قبة السماء تجدهم يقولون “السحاب ركّب فوڨ بعضاه”.
وإذا جاء السحاب ومعه البرق نقول “برڨو يشالي” والفعل “شال” يدل على ما يرتفع أو ما يرى من مكان مرتفع.
ونقول عن صوت الرعد “يدمدم” وهذه الكلمة ذات أصل قرآني في قوله تعالى”ودمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها فلا يخاف عقباها”.
وكلمة “صيّب” وردت في القرآن الكريم والحديث بمعنى المطر والغيث كقوله صلى الله عليه وسلم “اللهم صيّبا نافعا” … ونحن نستخدم كلمة “الصابة” للدلالة على الأرض التي أصابها “الصيّب” أو الغيث فازدهرت وربت وصارت مروجا خضراء وحقولا مزدانة بشتى الخيرات.
أما كلمة “التبروري” أي “البرَد” فالمعروف أنه يضر العشب وصغار الحيوانات و حتى الممتلكات كزجاج السيارات ولهذا نجد قوله تعالى “ويُنزّل من السماء من جبال فيها من برَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء” … و كلمة “تبروري” هي عربية فصيحة من الفعل تبّر أي دمّر وأهلك.
و يستعد البدو الرحل من سكان الخيم للمطر بمجرد رؤية سحبه فنقول في المثل “يونّي البيت” أي يحفر سواقي حواليها لتصريف المياه عن الخيمة. والفعل “ونى” من معانيه شمّر أي رفع كُمّ قميصه وحتى لا يصيبه الماء وهو نفس ما نفعله للخيمة … والمثل يقول “ونّ قبل السيل” … والسيل نقول عنه أيضا “الحملة” أو “الواد حمل” أو “الواد جاب” … وهناك تسمية واد بالجلفة وهو “واد الزوبيى” و تعني بالفصحى أعلى الوادي أو الحفرة لما تمتلئ ، كما يقول المثل “بلغ السيل الزبى”... كل هذه الألفاظ وغيرها شاهدة على عروبتنا الراسخة التي تقض مضاجع عصاد و زبانيته.
تعليقات
إرسال تعليق