الشيخ سي عيسىى بن الطاهر عايدي (1900م -1990م

#تذكاار * من أعلامنا المنسيين

الشيخ سي عيسىى بن الطاهر عايدي (1900م -1990م)

كتبه الأستاذ موسى محمد





الشيخ سي عيسىى بن الطاهر عايدي (1900م -1990م) ، من الأعلام المنسيين ببلاد أولاد نايل ، "انعم سيدي سي عيسى " كما عرف بين تلامذته ومريديه عاش مخلصا للقرآن نذر عمره للتحفيظ والتلقين، هو الشيخ الزاهد الذي عاش على التمر والحليب فقد كان لا يتناول غيرهما ، ولا يقرب متاع الدنيا تعففا ، كثير الصيام والتعبد ملازما للذكر آناء الليل وأطراف النهار ويتعهد أوراده دون انقطاع ، لا يغادر مقصورته  إلا نادرا ، ولد الشيخ سي عيسى بن الطاهر ببادية مسعد سنة 1900 م كما هو مدون في الوثائق الرسمية،  قرأ بداية عهده على والده الشيخ الطاهر بن العيد وانتقل وهو صغير إلى منطقة " المعلبة" التي حفظ بها القرآن وأتمه ، قبل أن يستقر به المقام بحي البرج في مدينة الجلفة هذا الحي الذي يعد أول حي نشأ خارج أسوار المدينة ، فكان مستقره إلى جوار المسجد العتيق أول وأقدم مسجد بالولاية الذي تأسس سنة 1863 م أو بعدها وقد شهدنا بعيننا شاهدا رخاميا مدونا به هذا التاريخ مثبتا بأعلى محراب المسجد وأزيل بداية التسعينات فقط، أثناء عملية ترميم عرفها المسجد الذي شيده الشيخ أبو القاسم بن الأحرش بن القندوز ( 1824 – 1887)  تلميذ الشيخ المختار الجلالي الذي أخذ عنه الطريقة الرحمانية وهو أخ الخليفة سي الشريف بن الأحرش خليفة الأمير عبد القادر على قبائل أولاد نايل 




، فكان أن تصدر الشيخ سي عيسى عايدي للإقراء بكتابه تلك الأيام يحفظ الطلبة ولم ينقطع عن ذلك إلى آخر عمره ، ولعل مقرأة الشيخ قديمة ، إن لم تكن الأولى بإقليم المدينة وتخومها كما حدثنا بذلك غير واحد ، فقد كان الشيخ يمارس وظيفته أيام الاحتلال الفرنسي وفي الأيام التي اشتد فيها اللظى برغم ما كابده دون مقابل أو أجر معلوم ، غير النزر القليل الذي يجود به بعض الكرماء الميسورين على قلتهم آنذاك ممن يعلمون أبناءهم عنده في الكتاب ويقفون على تنشئتهم وهي عادة أهل البلد من وقتها إلى اليوم ، واستمر رحمه الله في ذلك إلى سنوات الاستقلال حتى اشتد به المرض وألم به العجز وأقعده الوهن ،  لقد تخرج على يد الشيخ أسماء كثيرة تفرقت وتوزعت بين وظائف عديدة كالإمامة والإدارة والتعليم وغيرها ... أجلاء وأعلام ، نذكر منهم الشيخ أبو محمد الجابري سالت (المولود في 1943م) الأصولي واللغوي والفقيه المعروف الذي التحق بمقرأة الشيخ سي عيسى بحي البرج سنة 1955 م ، وحفظ عليه قبل أن يتم على أيدي علماء كالشيخ سي عامر محفوظي والشيخ سي عطية مسعودي مفتي الجلفة وأهوازها رحمهم الله جميعا ( ذكر هذا صاحب كتاب من فضلاء منطقة الجلفة في ترجمته للشيخ الجابري )،  ونحن وقفنا ورأينا إجلال الشيخ الجابري وحفظه لذكرى معلمه في غير ما موضع فهو يتعهد أولاده بالزيارة في كل مناسبة ويثني عليه في كل مجمع وكان حفظه الله يزور " العزوج النخلة " عقيلة الشيخ في بيتها ويبر بها إلى وفاتها ، ومن تلاميذ الشيخ "سي عيسى بن الطاهر" أيضا معلم القرآن سي ساعد لحول – رحمه الله – وهو معروف ، والشيخ سي المصفى سويح وأحمد الهزرشي (البوص) ، وغيرهم .. روى لنا الوالد أن الشيخ سي عيسى كان يؤذن ويقيم الصلوات في المقرأة أيام كانت السلطات الاستعمارية تمنع المصلين من دخول المسجد العتيق وتغلقه لفترات طويلة فكان الشيخ رحمه الله يقيم الصلاة كلما دخل الوقت ليلتحق به ساكنة الحي يؤمهم بنفسه ويؤدونها في وقتها ليتحول بذلك الكتاب إلى مسجد لإقامة الفروض الشرعية ، في ظل التضييق الذي كان يمارسه الاستعمار على سكان الحي الذي عرف بتمرد قاطنيه ومقاومتهم ، ولقد حدثنا بعض تلامذة الشيخ ممن أتموا الحفظ على يديه أنه كان يحفظ بعض المتون الفقهية والنحوية وقد سمعوا منه كثيرا ، ولسنا نعلم هنا كيف تلقاها الشيخ وهل عرج في صباه على إحدى الزوايا  ؟ أو أنه يكون أخذ العهد لطريقة ما من الطرق الصوفية ، كحال الكثير من المشائخ الذين عاصرهم ؟  وهذا لأننا للأسف لم نقف له على ترجمة غير الشيء القليل الذي يعرفه ذووه أو بعض من طلبته ، كان الشيخ طويل القامة له مهابة ، ما يدخر ولا يعرف الحرص ، شديدا على طلبته يأمرهم بالحفظ والمذاكرة ، ومن صفاته السخاء والإنفاق ،  فبيت الشيخ سي عيسى عايدي يعرفه كثير من ساكنة الحي وفي حياته رحمه الله كان مزارا وملاذا للفقراء والمعدمين وباب المقرأة القديمة ظل مفتوحا حتى في أواخر أيامه لا يرد سائلا ، وعرف عن الشيخ أنه كان متكفلا ببعض الأبناء من غير صلبه الذين رباهم وتعهدهم بالرعاية ، وزوجه " فاطنة " أو العزوج النخلة كما تلقب ، عاشت على سيرته في الإطعام والإنفاق وكفل الأيتام حتى أنها رحمها الله كفلت بعض العجائز اللواتي تقطعت بهن السبل وأفردت لهن غرفا ببيتها عشن بها بقية أعمارهن ، وكن كأهل البيت تماما حتى قضين ، خلف الشيخ " سي عيسى بن الطاهر عايدي " بنتا واحدة ، وثلاثة أبناء هم : محمد وهو البكر (توفي) بعد أبيه ، والطاهر (مغترب) وبقي من أبنائه (عطية) يقيم ببيته العامر بحي البرج العتيق وقد خصص غرفة وقفا للشيخ لجعلها مقرأة كما أعلمنا ، تنتظر من يبعثها ويقف عليها من المحسنين بالتجهيز والدعم  لتؤدي دورها الديني ، وفاء لذكرى الشيخ سي عيسى بن الطاهر الذي انتقل الى بارئه سنة 1990م مخلفا سيرة عطرة وذكرا طيبا (رحمه الله) .

.................

* ورقة من عمل معد للنشر عن سير بعض المنسيين

- الصورة : الشيخ سي عيسى عايدي وزوجته (فاطنة) النخلة سعيداني (رحمهما الله ).

الكاتب 

تعليقات