يستوقفنا التاريخ بل نستوقفه عند محطة بارزة و معلم من معالم الثورة التحريرية إنها معركة الكرمة و الجريبيع ـ او معركة الكرامة كما سمها اخواننا في ليبيا ـ والمعروفة تاريخيا بمعركة 48 ساعة ، و التي ابهر فيها جيش التحرير بقيادة محمد شعباني جنرالات فرنسا الاستعمارية ، و خيب امالهم في القضاء على الثورة و قادتها بالولاية السادسة عند اجتماع ما يقرب من 400 مجاهد في مكان واحد ،لكن احلام و اماني جنرالات فرنسا تتبخر بعد هاته الموقعة ، و يتبخر معها حلم ديغول بالقضاء على جيش الصحراء و كسب قضية فصل الصحراء في المفاوضات الجارية على الاراضي الفرنسية و السويسرية .
ابرز اسباب المعركة :
جرت معركة 48 ساعة بالسفوح الجنوبية الشرقية لجبل بكحيل بالمنطقة
الثالثة الناحية الثانية ، و التي تكتسي اهمية كبيرة بالنسبة لقادة الولاية
السادسة ، حيث تعقد فيها الاجتماعات الدورية ، وحدث تلك المعركة لعدة اسباب من
ابرزها
:
01 ـ انعقاداجتماع قيادات الولاية السادسة برئاسة العقيد محمد شعباني
قائد الولاية وحضره الضباط : عمر صخري قائد المنطقة الرابعة ،سليمان سليماني قائد
المنطقة الثانية ، مخلوف بن قسيم عضو بالمنطقة الثالثة و محمد شبشوب ملحق بقيادة
الولاية ، و تجاوز عدد المجاهدين 400 ، وكان طبيعيا ان يلفت تحرك هذا العدد الكبير
أنظار الاستعمار من خلال الطائرات الكاشفة التي تراقب المنطقة باستمرار .
02 ـ التحاق ثلاثة مجندين جزائريين في جيش العدو بجيش
التحرير انطلاقا من مركز مسعد في 12/08/1961 ، حاملين معهم ثلاثة بنادق
نوع”خماسي”ألمانية وثلاثة رشاشات ماط 49 وألف خرطوش ، وقد أثار ذلك
الانضمام، حنق العدو و دفعه إلى الانتقام من جيش التحرير .
03 ـ محاولة العدو الفرنسي القضاء على جيش الصحراء باعتباره العقبة
الكأداء في طريق احتفاظه بالصحراء و بترولها .
04 ـ الضربات المتتالية التي تلقتها جيوش العدو الفرنسي على امتداد جبل
بوكحيل من 1956 إلى 1961 جعل قادة العدو يعتقدون ان الفرصة متاحة امامهم للإجهاز
على هذا الجيش و قادته المجتمعين .
الاستعداد للمعركة .
ـ تعيين لكل كتيبة موقعا خاصا تتمركز به ،
وتتخذ واجهة معينة تتصدى منها للعدو.
ـ على كل مجاهد مهمة حفر أخدود له يستعمله كحصن يكافح منه العدو
و المعروف باسم ( الكازمة ) ، يعين المسئول الحربي موقع
حفرها ، و لا يغادره الا بأمر من المسؤول الحربي للكتيبة .
ـ التزود بالمؤنة اللازمة حسب الإمكانيات المتوفرة و التحلي
بالصبر اللازم .
ـ المراقبة المستمرة و اللازمة للمسئول الحربي لكتيبته دون
مجازفة
.
وقائع المعركة .
اليوم الأول 17 سبتمبر 1961 .
كشفت دورية الحراسة حوالي الساعة منتصف
الليل شعاع أضواء ، تدل على اتجاهات القوافل العسكرية للعدو وتحركاته
متجهة نحو موقع تمركز جيش التحرير بالكرمة ،آتية من مدينة الأغواط
،(التي بها أكبر ثكنة عسكرية للفيف الأجنبي)،ومن أولاد جلال ،الجلفة ،مسعد ،عين
الملح ، بوسعادة ،بسكرة، فيض البطمة ، وحتى تڤرت.
بعد أن طوق العدو الموقع ،نشبت المعركة على
الساعة 07صباح يوم 17/09/1961،وشرعت طائرات العدو الاستكشافية تحلق فوق الموقع
،تلتها الطائرات المقنبلة والقاذفة ،التي قصفت مواقع المجاهدين بشدة خلال ساعة
تقريبا بالقذائف و النابالم .
كانت الطائرات تحلق أسرابا ،كل سرب يتكون
من 09 الى 12طائرة، سرب يقنبل والأخر يرجع للتزود بالذخيرة .وكانت الطائرات
تنطلق من القواعد العسكرية التالية :عين وسارة ،تلاغمة، الاغواط ،الجلفة .وقدر عدد
الطائرات المشاركة في القصف نحو 40 طائرة منها : B26 / B29 T6، والطائرات المسماة لدى جيش التحرير
بالصفراء و الكشافة (الشاصور) .
اما القنبال المستعملة في القصف فهي :
- قنابل كبرى من الوزن الثقيل ،وزنها بضعة قناطر تحدث حفرا عميقة في
الأرض تتسبب أحيانا في خروج المياه .
- قنابل الغاز ذات الرائحة الكريهة .
-قنابل النار المحرقة التي تأتي على الأخضر واليابس (النابالم ) .
- قنابل الروكات التي تطلقها طائرات T6 .
ولم يكن للمجاهد آنذاك من وسيلة حماية من
القنابل سوى الأخدود (الكازمة) أو القشابية .
بعد القنابل يأتي دور المدفعية الثقيلة،Artillerie .والهاون والدبابات (250وحدة)،واستمر القصف عدة ساعات .
بعد القصف الجوي والمدفعي بدأ هجوم قوات العدو البرية المتكونة
من 12الف عسكري :مشاة تتقدمهم عناصر اللفيف الأجنبي ثم الحركى و المجندون،
تقدموا نحو المجاهدين الذين لم يطلقون النار عليهم إلا بعد اقترابهم
منهم. واستمرت المعركة طوال اليوم الأول على هذا النحو.
استمرت المعركة بتك الوتيرة إلى الساعة التاسعة ليلا حيث خفت
عمليات القصف ،واستمرت المناوشات المتقطعة تحت الأضواء الكاشفة ،مما مكن مسئولي
الكتائب من الاجتماع بقائد الولاية العقيد محمد شعباني ومساعديه ، بعد أن تفقد
المساعدون كتائبهم وحالات الجنود وتبين أن عدد الشهداء اثنين ،والجرحى ثلاثة ،
إصاباتهم بليغة جراء حروق النار وهم بلقاسم مستاوي ،أحمد مغزي ،الطاهر محجوب. أما
خسائر العدو في اليوم الاول فإنها فاقت 400 قتيل ( حسب رواية العدو و ما اورده
راديو صوت العرب من القاهرة ) .
بعد أن قدم مسئولو الكتائب عرضا حول سير
عمليات اليوم الأول ،اتخذت إجراءات نقل الجرحى وقرر قائد محمد شعباني ، بعد
التشاور مع مسئولي الوحدات ،الانتقال من موقع الكرمة إلى مركز جريبيع شمالا لقربه
ومناعته وتوفره على الماء والتموين .وفعلا الساعة الحادية عشر ليلا نجح المجاهدون
في فك الحصار على مركز الكرمة والوصول لمركز جريبيع قبل طلوع الشمس.
اليوم الثاني للمعركة : 18سبتمبر1961.
حشد العدو لليوم الثاني قوات أضخم من اليوم الأول قدرت بنحو 14الف
عسكري مستعملا كل أنواع القنابل والطائرات ، و كان اول ضحايا اليوم الثاني
ثلاثة جنود بعد ان كشفتهم طائرة الاستطلاع كانت في طريقها إلى قنبلة مركز المعركة
الاول وهم : الجندي الأول محمد لونيسي صاحب الرشاش الثقيل (تيرايور) والمجاهد شريف
قرماط صانع الألغام ،والبشير محداد .
استمرت المعركة في يومها الثاني من السابع
صباحا حتى الثانية والنصف من صباح يوم 19/09/1961. لكن القيادة الميدانية
لجيش التحرير و من خلال بحثها عن مخرج من هذا الحصار المطبق استدلت على ممر كان قد
اغفله العدو بالشمال على شكل منحدر صخري
و تمكن الجيش من تسلق ذلك الممر و الخروج من الحصار الذي فرضه العدو ، و
التمويه على العدو و اشغاله و ضع و ضع الضابط الأول العسكري مخلوف بن قسيم
خطة تمويهية تمثلت في الدفع بالدواب نحو الجهة الجنوبية عبر الوادي
محدثة فوضى كبيرة ، و الأمر الذي اعتبره العدو محاولة لاختراق الحصار من طرف
المجاهدين ، فانشغل بإطلاق النيران نحو مصادر تلك الأصوات ، مما أعطى الفرصة
الكاملة لجيش التحرير ان ينسحب بسلام عبر الناحية الشمالية
اما نتائج المعركة في يومها الثاني
فتمثلت في 07 شهداء ، و ما يزيد عن 300 قتيل في صفوف العدو ، و كان لثبات
المجاهدين في أماكنهم و من خلال ( الكازكات ) و عجز العدو تحديد تواجدهم و دفعه
لقوات ضخمة من مشاة اللفيف الأجنبي نحو مواقع المجاهدين دورا كبيرا في سقوط
هذا العدد الضخم من القتلى في صفوف العدو خلال يومي المعركة .
معركة الكرمة و الجريبيع الذكرى و العبرة .
لقد قدم أبطال بوكحيل أفضل ما يقدّم الرجال
، و جابهوا اكبر قوة استعمارية مدعمة بالحلف الأطلسي و في ارض جرداء ، و انتصروا
عليها ، و كان جيش الصحراء الحامي للفضية الجزائرية و الظهير الأبرز للدبلوماسية
الجزائرية التي كانت تقاتل من اجل ان تبقى الصحراء جزء لا يتجزأ من ارض الجزائر ،
و كان للقائد الفذ محمد شعبائي الدور العظيم في تلك الملحمة البطولية و من خلفه
ابناء الولاية السادسة عموما .
كان النصر في معركة 48 ساعة نصرا للقضية
الجزائرية ، نصرا عسكرية بعدما أدرك العدو انه لن يستطيع القضاء على جيش التحرير و
لو على ارض جرداء و انه يقاتل السراب ، و نصرا دبلوماسيا أكد للعدو ان مصالحه
الاقتصادية في الصحراء باتت على كف عفريت ما دام جيش الصحراء بهذه القوة ، فلم يبق
أمام الجنرال ديغول إلا الأمر بتسريع المفاوضات و صولا إلى
و قف إطلاق النار .
ـ إن نجاح جيل الثورة في تلك الظروف
القاسية و المؤلمة ، و تحديه للصعاب يدفعنا لأخذ الدروس العبر ، يؤكد لنا ان
جيل الاستقلال قادر على تحدى الصعاب الاقتصادية و السياسية و التكنولوجية و صناعة
مستقبل زاهر … شرط توفر ضمانات الإخلاص و التضحية و حب الجزائر و تلك هي الضمانات
التي حقق بها سلافنا أهدافهم …
ردحذفمن عجيب الأمـر أنّ فرنسا ظلّت تحـتفظ بحقّ الجـزائـر التّاريخي للصّحراء ، لكن لمّا اشتدت عليها قوّة الثّورة المصمّمة على الاستقلال ، أرادت أن تفصل الصّحراء عن الوطن الأم . .
لكن معركتي 48 ساعة كانت اخر مسمار في تابوت اطماع فرنسا في الاحتفاظ بالصحراء الجزائرية ..
اخ علوي
ردحذفممكن تتقدم بذكر شهيد المنطقة سيدي خالد الشهيد سعودي الصادق والتعريف به فضلا وليس امرا سيدي الفاضل
ردحذف